تصور لكيف يمكن أن يرد المغرب على ملحمة كديم إزيك

تصور لكيف يمكن أن يرد المغرب على ملحمة كديم إزيككل ما يقع حولنا أو في منطقتنا يفرض علينا أن نكون حذرين، جد حذرين الآن أكثر مما كنا من قبل. بمعنى أخر، علينا أن نستخلص الدروس مما حصل سابقا. فالحرب التي أصبحنا نخوض الآن مع العدو المغربي هي حرب سياسية، مخابراتية وحرب إعلام، أو، بتعبير مختلف، هي حرب سجال تعتمد على الأخذ بالثأر ورد الصفعة بمثلها. فمثلا حدث مثل عقد المؤتمر الشعبي العام في التفاريتي المحررة في سنة 2007م رد عليها المغرب بمهزلة مؤتمر أكجيجيمات، وملحمة مثل صمود مينتو حيدار رد عليها المغرب بمسرحية الشرطي مصطفى. الآن الكرة في ملعب المغرب الذي لا زال مجروحا بعد عملية كديم إزيك.
فبكل تأكيد إن المغرب الآن يطبخ طبخة من طبخاته غير الناضجة التي عودنا عليها. فما حدث في كديم إزيك من عمل بطولي ومن تفوق عبقري للمقاومة على النظام المخزني يجعلنا نكاد نجزم أن العدو المغربي يفكر الآن ويعمل أن يرد عليها بعملية أخرى في صفوف البوليساريو أو ضدها أو في المنطقة. هذا لا شك فيه، ومن غير المنطقي أن لا ترد المخابرات المخزنية على عملية استعراضية كالتي حدثت في مخيم كديم إزيك. وحتى إذا كان من حق بعضنا أن يستهزئ، ولو في\ مع نفسه، أن هذا لن يحدث أو حتى لن يُطبخ، فعلى الأقل يجب علينا الحذر والصرامة حتى لا يتم الرد على مقاومتنا في المدن المحتلة أو على تنظيمنا في المخيمات والأراضي المحررة. ما هي مثلا السينارهوات التي من الممكن أن يفكر فيها المغرب كي يرد علينا؟

فبتحليل بسيط جدا للخطاب المغربي السياسي الحالي نجد أن "الإرهاب ومحاربته"، خاصة في شمال غرب إفريقيا والصحراء الكبرى، هو الآن أولى أجندات المملكة. فكل أسبوع أو كل شهر نسمع أن المخزن " فكك" شبكة إرهابية تريد ضرب " مصالح" أجنبية في البلاد. إن مسرحية "تفكيك" الشبكات الإرهابية أسبوعيا في المغرب وحده من بين كل دول المنطقة هي رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة وبين سطورها معنى خفي وهو أن المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يحارب الإرهاب وأنه يعمل بجد واجتهاد ووحده في حماية الغرب من الظاهرة الخطيرة.

ورغم مسرحيات تفكيك الشبكات الإرهابية في المغرب والتظاهر والتباكي بمحاربة الإرهاب إلا أن هناك حقائق أخرى تؤكد العكس. فمن بين هذه الحقائق إن المغرب هو مهندس الإرهاب في منطقة الساحل وهو مموله؛ أكثر من ذلك انه هو الذي أتى به إلى منطقة الساحل الصحراوي. فهناك الآن مؤشرات كثيرة وكثيرة جدا تؤكد أن المغرب الملكي يمول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، منها مثلا وجود حقائق على أن التنظيم الإرهابي المذكور يتغذى من المخدرات التي تنبت وتوزع في المغرب، وحتى يمكن أن نقول، بدون حرج ولا شك، أن للمغرب اتصالات متقدمة مع الكتيبة التي تسمي نفسها كتيبة طارق بن زياد أو كتيبة تحرير الأندلس التي تنشط في الصحراء الكبرى.
وإذا كنا على يقين تام أن المغرب هو الذي أنشأ سرطان الإرهاب في منطقة الساحل منذ سنة 2006، فإننا، من جهة أخرى، لن نبذل كبير جهد حتى نعرف السبب. السبب بسيط؛ فالمغرب يريد استعمال الإرهاب كحجة كي يسيطر على المناطق المحررة التي تقع تحت إدارة البوليساريو. والحقيقة أن هذه المناطق المحررة تشكل غصة في حلق المخزن والمملكة. فمن جهة المغرب لا يستطيع أن يظل يكذب على شعبه أن الصحراء " مغربية" ويترك ثلثها في يدي البوليساريو، ثم أن وجود البوليساريو في هذه المنطقة يضيق الخناق على المغرب من الجنوب ويمنعه من الاتصال مع إفريقيا جنوب الصحراء. وثالثا، أن المناطق المذكورة تنفي الكذب المغربي القائل أنها "مناطق عازلة" منزوعة السلاح في حين أن البوليساريو تمارس عليها سيادة كاملة وتتحكم فيها وتنظم فيها أنشطتها السياسية والعسكرية.

1- سيناريو إلصاق تهمة الإرهاب بالبوليساريو

منذ بدأت أمريكا تسجل الدول في لوائحها البيضاء والسوداء وتصنف العالم بين شر وخير، ومنذ أن أصبح الإرهاب يشكل هاجسا في منطقة الساحل الإفريقي سعى المغرب، بكل قواه الشريرة، إلى جعل نفسه نظام خير في مواجهة الإرهاب ومواجهة البوليساريو والجزائر. وليس هذا فقط بل انه سعى سعيا حثيثا في كل التجمعات التي ربطته بالولايات المتحدة الأمريكية، القوة الكبرى في العالم، إلى تسجيل البوليساريو مثل حماس وحزب الله في قائمة الحركات الإرهابية المغضوب عليها أمريكيا. فرئيس المخابرات المغربية يزيد المنصوري، زار الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 2006 إلى 2009 م 27 مرة، ثم أنه هو الذي يقود الوفد المغربي في كل جولات المفاوضات.

الأمر الثاني الذي يشكل هاجسا للملكة المغربية هو أن تقنع الولايات المتحدة الأمريكية أن الأراضي الواقعة تحت سيطرة البوليساريو، ثلث الصحراء الغربية المحرر، هي أراضي غير آمنة وغير مُسيطر عليها ومن الممكن أن تتحول إلى وكر للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. لكن سيادة مناخ آمن في المناطق المحررة وعدم وجود أية دلائل- حسب ويكيليكس- على أي اتصال للبوليساريو مع القاعدة يؤكد ان المناطق المذكورة أمنة جدا. ودائما حسب ويكيليكس فإن المنصوري قد أجتمع عدة مرات مع مسئولين أمريكيين في مارس2008 م وحاول إقناعهم بأهمية أن يتم إجلاء البوليساريو من الأراضي الصحراوية التي تسيطر عليها - ولو بالقوة- وإعادتها للمغرب حتى لا تتحول إلى وكر للإرهابيين.
والنتيجة أن مسعى المغرب لإلصاق تهمة الإرهاب بالبوليساريو ومسعاه الآخر "لاسترجاع" الأراضي المحررة، بحجة عدم توفر الأمن فيها وبحجة وجودها "خارج القانون"، قد خابت؛ فحتى الولايات المتحدة يبدو أنها مبتهجة لسلوك البوليساريو غير العنيف، ومطمئنة أيضا أن القاعدة لن تطأ الأرض التي تتحكم فيها هذه الحركة التحررية، وأبعد من ذلك إن هذه الحركة تشارك في محاربة الإرهاب ويمكن الاعتماد عليها .

2- السيناريو المحتمل الثاني: التوريط أو ضرب الأمن في المنطقة التي تسيطر عليها البوليساريو

من وجهة نظر بسيطة أول ما قد يفكر في المغرب، بعد فشل تسجيل البوليساريو في لائحة الإرهاب، هو الاتصال بالقاعدة في بلاد المغرب العربي، خاصة كتيبة طارق بن زياد التي تتكون من مغاربة، ويمول عملية من عملياتها في المناطق التي تسيطر عليها البوليساريو حتى تقتنع أمريكا أن المنطقة فعلا " غير آمنة" وأن القاعدة تضرب فيها. لو وقع مثلا فعل مثل هذا الآ يستطيع المغرب أن يشن هجوما عسكريا على المناطق المحررة بحجة طرد القاعدة منها. من زاوية ثانية وثالثة إن وقوع أي عميلة للقاعدة في المناطق التي تسيطر عليها البوليساريو من الممكن، وبنسبة كبرة، أن تجعل الأجانب يحجمون عن الذهاب إلى المواعيد والأنشطة التي تُنظم في الأراضي المحررة بحجة الخوف من الإرهاب. إن عملية إرهابية في المناطق المحررة هو سيناريو يبقى قائما ومفتوحا ولا أعتقد أنه علينا إن نستثني أي سيناريو من هذا القبيل حتى لو أعتبره البعض مجرد شطحات خيال.

في خطابه الأخير بمناسبة المسيرة السوداء أعلن الملك المغربي مباشرة عن خطة مثل هذه، وهنا لا يجب أن نترك كلمات مثل " المغرب لن يصبر على وضع مثل هذا" "علينا أن نسيطر ولو بالقوة" على كل الصحراء، تمر مع الريح. إن المغرب الآن في حال متشنج بعد الهزائم التي مُنى بها في العيون وفي قضية منيتو حيدار وفي جنوب إفريقيا، وعلينا أن نستعد دائما لكل الاحتمالات. فإذا ظل العالم وحتى الصحراويين ينتظر أن تُعلن الحرب من طرف البوليساريو، فلماذا أيضا، من الزاوية الأخرى، لا نضع في الحسبان أن المغرب الجريح والمهزوم يمكن يخلق مبرر مفبرك حتى يقوم بمغامرة عسكرية في المناطق المحررة يرد بها على عملية كديم إزيك ويرفع بها من معنويات شعبه.

من طرف أخر، يجب أن لا ننسى أيضا إن من الممكن أن يتبع المغرب تكتيك إسرائيل في تعاملها مع حركات مثل حماس أو حزب الله.. ففي التكتيك الإسرائيلي هناك ما يُسمى الضربات القاضية؛ أي الضربات التي تعيد الحركة إلى نقطة الصفر معنويا وماديا. هذا التكتيك يقضي بتوجيه ضربة عسكرية من حين لآخر، تحت غطاء ما، ضد هذه الحركات( حرب 2006م ضد حزب الله بحجة خطف الجنود، وحرب 2009 ضد حماس بحجة الإرهاب والصواريخ). المغرب أيضا من الممكن أن يلجأ كذالك إلى القاعدة والإرهاب كذريعة حتى يضرب قواعد البوليساريو في المناطق المحررة سواء بالطيران أو بالقوة الميدانية.

إن ضرب الأمن في المناطق المحررة وإيجاد الذريعة لا بد له من توفير غطاء ولو مفتعل، والغطاء الوحيد الذي لا يفتأ المغرب يكرره ويحضر له و"يحذر" منه هو الإرهاب وعدم الأمن في المناطق المحررة.

وإذا كنا شبه " مرتاحين" وشبه " مطمئنين" أو حتى شبه "متأكدين" أن المغرب قد لا يرتكب حماقة عسكرية تحت غطاء تطهير المنطقة المحررة من الإرهاب، فإن علينا أن نأخذ في الحسبان سيناريو آخر وهو أن المغرب من الممكن أن يلجأ لبعض المرتزقة من البوليساريو نفسها ويشتريهم ويربطهم بالقاعدة على أساس أنهم من قادة البوليساريو.

هذا فقط مجرد تخمين وحدس ينطلقان من بديهية أن المغرب لا بد أن يرد على ملحمة كديم إزيك بطبخة من طبخاته. الشيء الثاني أن اللجوء إلى توظيف الإرهاب للإيقاع بالبوليساريو أو ضربها في عمقها ومصداقيتها يبقى احتمالا قائما وبقوة. وكنتيجة أن الحذر والحذر الشديد يبقيان دائما في الحسبان لإفشال كل المناورات.

Share

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites